دينامكيات الصراع في دير الزور من نشأة المجلس العسكري إلى المواجهة مع قسد
الكاتب: فراس علاوي
مقدمة
تحاول ورقة تقدير الموقف التي بين يدينا تسليط الضوء على طبيعة وخلفية الصراع الحاصل في محافظة دير الزور بين “قسد” والعشائر العربي من جهة، ومن جهة أخرى على ديناميكية التحولات التي حصلت خلال فترة الصراع، وكذلك على احتمالات نشوء تحالفات جديدة مبنية على إعادة هيكلة وتحجيم، او انهاء بعض التشكيلات التي تم بنائها مع إعلان “تشكيل “قسد” 2015″، واستمرار الخلافات القديمة بين العشائر من طرف وقسد من طرف اخر، وداخل العشائر نفسها. وفي سبيل إضاءة بعض هذه النقاط لابد من لمحة مقتضبة حول التموضع التاريخي والجغرافي ومواقف القوى المنخرطة في أحداث دير الزور مما يحدث في سوريا منذ منتصف آذار 2011، وكيفية تغير طبيعة القوى المسيطرة على الأرض وظهور قوى الأمر الواقع.
منطقة الجزيرة جغرافياً وتوزع العشائر الرئيسة فيها
تقع منطقة الجزيرة / وهي تسمية محلية يطلقها أهالي محافظة دير الزور على الأراضي الموجودة شمال نهر الفرات، والتي يخترقها نهر الفرات من غربها على حدود محافظة الرقة، حتى شرقها على الحدود العراقية السورية.
حيث يقسم نهر الفرات المحافظة جغرافياً وديموغرافياً إلى قسمين:
جغرافياً
الجزيرة:
وتتكون من عدة مدن وبلدات وأبرز مدنها البصيرة وأبوحمام والشحيل وهجين وذيبان وغرانيج والشعفة والسوسة إضافة لعشرات القرى والبلدات الاخرى وجميعها تقع بريف دير الزور الشرقي، ومدن الكسرة وقرى الحصان والجنينة إضافة لعشرات القرى الاخرى وجميعها تقع بريف دير الزور الغربي.
الشامية:
وتقع جنوب نهر الفرات وأبرز مدنها مدينة دير الزور وموحسن والميادين والقورية والعشارة والبوكمال وعشرات المدن والقرى وجميعها في الريف الشرقي وكذلك عشرات القرى بالريف الغربي.
ديموغرافياً
يقسم نهر الفرات عشائر المنطقة وهي البنية الاساسية للمجتمع في محافظة دير الزور إلى تجمعات متقابلة وتكاد تكون متناظرة، إذ تتوزع العشائر على طرفي النهر، وتعتبر عشيرتي العكيدات والبكارة أكبر عشائر المنطقة إضافة لعدة عشائر أخرى إما تنضوي تحت مسمى هاتين العشيرتين أو عشائر صغيرة مستقلة، إذ قد تجد قريتين على طرفي النهر وهم أبناء عمومة ينتميان لنفس العشيرة ويفصل بينها نهر الفرات مثل القورية والطيانة وهما ينتميان لعشيرة الكرعان، العباس والبحرة وينتميان لعشيرة الدميم، ابو الحسن والرمادي وينتميان لعشيرة البوحسن، وغيرهم في الكثير من القرى، ويقود بين مشيخة العكيدات آل العفل، بينما بيت مشيخة البكارة هم آل البشير..
المنطقة بعد آذار 2011
انخرطت محافظة دير الزور في الحراك المدني مع انطلاق الثورة السورية، عبر المظاهرات والنضال المدني – المتضمن انشاء تجمعات شبابية ونشاطات معارضة =، وكانت منطقة الجزيرة حاضرة بقوة في المظاهرات في عدة مدن وبلدات، لكن هذه المظاهرات اتخذت شكلاً مدنياً فردياً ولم تكن بشكل تشكيل أو تجمع عشائري وإنما كانت نتيجة لتنسيق عدد من الشباب تربطهم الحالة الثورية لا القرابة العشائرية، لذلك لم يكن لموقف بيوت المشيخة أي تأثير على من قرر الخروج بالمظاهرات، وإنما كان تأثيرها واضحاً على البيئة التي تقع في المنطقة الرمادية بموقفها من الثورة والتي لم تخرج، فيما كان لبعض زعماء العشائر دور واضح في دعم الشباب المتظاهر من خلال الوقوف إلى جانبهم أو استخدام نفوذهم كمشيخة للعشيرة للإفراج عن المعتقلين على سبيل المثال، اذ مارس بعض شيوخ العشائر نفوذهم لدى السلطة للإفراج عن بعض المعتقلين ومارسوا نوع من الوساطة لفك الحصار عن بعض المناطق مثل ما حصل في “القورية”، كذلك حاولوا التدخل لفك الحصار عن أحياء مدينة دير الزور، فيما شارك بعضهم في المظاهرات بشكل مباشر كالشيخ “ارهيمان كوان الجبارة شيخ عشيرة البورحمة”، كما انشق عدد من أعضاء بيت المشيخة عن النظام من مواقع حساسة كانشقاق السفير السوري في العراق نواف الفارس وهو من مشايخ عشيرة الدميم، وكذلك انضمام الضابط في الامن السياسي العميد نبيل الدندل للمعارضة السورية وهو ابن عشيرة الحسون وكلاهما من عشائر قبيلة العكيدات إضافة لمئات الضباط من ابناء العشائر.
العشائر والعمل المسلح
بعد تحول الثورة إلى العمل المسلح تراجع دور المشيخة بشكل أكبر، وذلك بظهور قوى جديدة تمتلك القوة والدعم الشعبي والمادي وأصبح قادة الفصائل ينافسون دور شيوخ العشائر الذي انكفأ، خاصة أولئك الذين لم يدعموا الثورة بشكل واضح وصريح أو الذين وقفوا إلى جانب النظام بشكل مباشر، إذ غادر معظمهم إلى مناطق سيطرة النظام خوفاً من مواقف القوى الجديدة منهم، فيما بقي آخرون وقد التزموا الصمت حيال ما يحدث.
تحررت منطقة دير الزور خلال العام 2012، بشكل شبه كامل من سيطرة النظام إذ خرج النظام مما يقارب ال 90% من مساحة المحافظة، لكن التشكيلات المسلحة / الفصائل التي تم تشكيلها تحت مسمى الجيش الحر / كانت قد تحولت لتشكيلات عشائرية بنسبة كبيرة، إذ أصبحت الألوية والكتائب تتشكل في معظمها من أبناء العشيرة الواحدة، ضمن سياقٍ طبيعي في حالات الفوضى والنزاع المسلح في المجتمعات كما ذكر ابن خلدون في مقدمته حول العصبية.
مع هدوء الجبهات وانتزاع حقول النفط خاصة في منطقة الجزيرة من النظام، تحول التنافس لدى بعض القوى المسيطرة على الأرض للسيطرة عليها، وبالتالي فرض سلطة جديدة في المنطقة تخضع للقوة والمال، خاصة أنها تقع في أراض ذات العشائر التي تنتمي لها الفصائل، وأدت هذه السيطرة لأن تشهد المنطقة طفرة مالية واضحة / منطقة الجزيرة /، فيما تابعت بعض القوى الاخرى صراعها لتحرير ما تبقى من المحافظة، وشارك أبناء المنطقة في معارك الرقة وريف حمص الشرقي وصولاً للقصير، مثل مشاركة ما سمي بجيش العسرة في معارك القصير وكان جميع أفراده من ابناء المنطقة.
أغرى وجود النفط قوى أخرى للسيطرة عليها حيث بدأ الصراع باكراً مع جبهة النصرة والتي تقاسمت السيطرة منذ منتصف العام 2013، مع الجيش الحر على معظم المنطقة شمال نهر الفرات / الجزيرة / والتي تتواجد فيها آبار النفط ومساحات واسعة من الشامية، ولم تستقر المنطقة حتى بدأ ظهور تنظيم / الدولة الاسلامية / المعروف اختصاراً ب “داعش”، حيث قاتل أبناء المنطقة التنظيم لمدة سبعة أشهر قبل تشكيل التحالف الدولي وقيادته للحرب على التنظيم، خسر أبناء المنطقة أكثر من ألف ضحية في القتال مع التنظيم ولعل أبرز مجازر التنظيم كانت مجزرة الشعيطات التي ذهب ضحيتها المئات من أبناء العشيرة، الأمر الذي دفعها لترك أرضها والاتجاه لعدة خيارات مثل قتال التنظيم تحت قوى أخرى أو النزوح كما ذهب البعض باتجاه نظام الأسد الذين كانوا يقاتلونه منذ سنوات.
استمر القتال حتى منتصف العام 2014، حيث سيطر التنظيم بشكل كامل على المنطقة، وقام عبر سياسته بالاستهداف المباشر بتفريغ المنطقة من نخبها وقياداتها ونشطائها بين تهجير واعتقال وقتل، كما أفرغ التنظيم المنطقة من الفصائل التي كانت موجودة فيها.
شكلت الفترة الممتدة من منتصف العام 2014 حتى منتصف العام 2015، تغيرات محورية في المشهد السوري عموماً، مع حدوث التدخل الروسي المباشر، إلى جانب تشكيل التحالف الدولي لقوات ” سوريا الديموقراطية والتي يشكل عمودها الفقري وحدات حماية الشعبYPG ذات الغالية الكردية عمادها، كما ضمت عدد من القوى العربية والاشورية والسريانية وغيرها من المكونات العسكرية، وعقب تشكيل ” “قسد” ” بدأ العمل على تشكيل مجالس عسكرية منفصلة لعدة مناطق لكنها تتبع عسكرياً لقيادة قوات سوريا الديموقراطية، مثل مجلس دير الزور العسكري ومجلس منبج العسكري وهجين العسكري، وذلك لقتال تنظيم الدولة في المنطقة، والذي بدأ نهاية العام 2017.
انضم بقايا مقاتلي المنطقة من ابناء العشائر ممن بقيوا في مناطقهم ولهم رغبة التخلص من ” تنظيم الدولة”، أو الذين نزحوا إلى مناطق الحسكة وغيرها، إلى قوات سوريا الديموقراطية قسد، بسبب رغبتهم في تحريرها والخلاص من سيطرة التنظيم، تحت قيادة “قسد” والذي كان أحد شروط التحالف حينها، وكان لهم دور كبير في اخراج التنظيم من المنطقة حيث كانوا رأس حربة في قتاله حتى السيطرة على المنطقة في آذار 2019.
افتقر التحالف الدولي لرؤية شاملة لشمال شرق سوريا في مرحلة ما بعد إعلان انتهاء العمليات العسكرية ضد التنظيم بشكل رسمي، واستمرار العمل على عدم عودته، ولم، لم يعمل التحالف على ايجاد مشروع وبيئة جديدة لإدارة المنطقة بل اعتمد على تشكيلات “قسد” الادارية والامنية، على الرغم من ادعائه بشكل مستمر أن سبب وجود “قسد” هو قتال التنظيم فقط، لكنه استمر بدعمها في إدارة المنطقة بشكلٍ كامل دون إصلاح، وتقوية وتفعيل المؤسسات الخاصة بأهل المنطقة وفق متطلباتهم، هذا من جانب التحالف الدولي، أما من جانب قسد، فكان وجود كوادر حزب العمال الكُردستاني PKK، في الإدارة الفعلية لمعظم الهياكل المؤسساتية في المنطقة، وفق شهاداتٍ مكثفة حول الموضوع حتى من داخل قسد، إلى جانب التصريحات المستمرة من قبل قادة مجلس سوريا الديمقراطية ” مسد، وقسد ” بتفاوضهم مع النظام والعمل على عدم اسقاطه كما صرح القيادي في حزب العمال” باهوز أردال”. إلى جانب عزل وتهميش وعزل وتهميش المكون العربي داخلها أو الحاضنة العربية من أهل المنطقة، وحالات الاعتقال التعسفي، وأهمال البنية التحتية،
واحتكار الثروات النفطية وتقاسمها مع شخصياتٍ فاسدة في المنطقة، سبب موجة من الاحتجاجات لأهالي المنطقة استمرت طيلة فترة وجود “قسد” فيها، وازدادت حدة الاحتجاجات والمطالبات بالمشاركة الفعالة لأهل المنطقة في إدارتها، مع ازدياد عدد السكان إلى الضعف بسبب تهجير نظام الاسد لأهالي القرى والمدن التي سيطر عليها في الضفة المقابلة لنهر الفرات، في ظل ضعف إمكانات البلدات الواقعة شرق النهر أدى لإحداث توترٍ كبير في ظل ضعف الخدمات المقدمة الخدمات، كذلك رغبة أهالي القرى السبعة التي يسيطر عليها النظام شمال نهر الفرات بالعودة لقراهم / يسيطر النظام والمليشيات الايرانية على سبع قرى شمال نهر الفرات وهي قرى /الحسينية، الصالحية، مراط، مظلوم، خشام، طابية جزيرة، حطلة /
تعدد أسباب الصراع بين “قسد” والمكونات العشائرية وشملت كل من:
التفرد بإدارة المنطقة
بدأت تظهر المشاكل في حوكمة ” “قسد” ” خلال عامٍ من انهاء ” تنظيم الدولة”، ونشرت العديد من التقارير الدولية حول وقوف “منطقة دير الزور” على حافة الهوية نتيجة تصاعد الاغتيالات التي تستهدف المسؤولين المحليين، والتهميش الحاصل فيها، ونقل موقع المونيتور عن رئيس مجلس دير الزور المدني غسان اليوسف ” إلى أن الاتفاق كان مع قوات سوريا الديمقراطية في بداية القتال ضد “داعش” هو أننا “شركاء” في المعركة والسياسة، إلا أن مسؤولي “قسد” لا يعرفون شيئًا عن منطقة دير الزور، وهذه مشكلة، وضمن ذات التقرير أشار مسؤول أمني عن حراسة “اليوسف” إلى استمرار “تهميش العرب” من قبل “قسد”، ورفض أي “مشاركة حقيقية في عمليات صنع القرار”.، ولم تدم رئاسة ” غسان اليوسف” طويلاً، حيث تم استبداله بشخصٍ آخر لرئاسة المجلس، في ظل استمرار سياسات الترهيب والضغط على الحواضن المحلية وعدم خلق بيئة اجتماعية مستقرة، وما شهدته هذه السياسة من رفضٍ اجتماعي، بالأخص لمواضيع تتعلق بتغيير المناهج التربوية، وتغيير قوانين الأحوال الشخصية، في مواجهة مع الموروث الثقافي في المنطقة، أدى فعلاً لوصول دير الزور لحافة الانهيار الأمني الكامل.
التنافس داخل مكونات قسد
مع انتهاء العلميات العسكرية ضد التنظيم واعتماد التحالف الدولي على “قسد” في إدارة المنطقة، بدأت “قسد” تشكيل اداراتها الامنية والمدنية وفق رؤيتها للسيطرة على المنطقة ولعل ملفات الأمن والنفط والمعابر كانت أبرز تلك الملفات، ومع تنحية المكونات الاخرى خاصة الاطراف الفاعلة / العربية / والاعتماد على شخصيات موالية أو منتفعة، ظهرت شخصيات داخل “قسد” خاصة في منطقة شرق الفرات تطور دورها لاحقاً ليصبح منافساً لدور “قسد” وشخصياتها النافذة، ترافق ذلك مع فساد اداري واضطرابات أمنية سببها الرئيس هو العشوائية في محاولات تطبيق الامن على الرغم من مشاركة التحالف الدولي في العمليات التي كانت تقوم بها قسد. وأدت هذه الاضطرابات وسلسلة الاغتيالات التي قامت بها أطراف محسوبة على “قسد” / حسب شهادات أهالي المنطقة /، كذلك الممارسات التي قامت بها الأجهزة الأمنية التابعة لقسد، بما فيها مجلس دير الزور العسكري بقيادة “أحمد الخبيل ابو خولة” اتجاه ابناء المنطقة والاعتداء عليهم، زاد من نقمة الأهالي عليهم كما زاد من احتقان الحواضن الشعبية التي خرجت بثورة على نظام الاسد لتقع تحت سيطرة قسد.
مجلس دير الزور العسكري: سطوة بأدوات محلية
نتيجة للظروف التي خلقتها إدارة “قسد” للملفات المختلفة، والفساد الذي رافق عملية بناء مؤسسات دير الزور، بدأت تظهر في المنطقة شخصيات وبالأخص من داخل مجلس دير الزور العسكري عبر استغلالها لمنصبها لمنافعها الخاصة، بالأخص فيما يتعلق بملفات النفط والتهريب والمعابر عبر التعاون مع شخصياتٍ أخرى ذات نفوذٍ أكبر ضمن قسد، ومن هؤلاء المتنفذين المحليين برز اسم أحمد الخبيل المعروف “بأبو خولة” رئيس مجلس دير الزور العسكري الذي سيطر على عائدات المعابر التي وصلت لملايين الدولارات، بسبب عمليات التهريب على ضفتي نهر الفرات بين مناطق سيطرة “قسد” ومناطق سيطرة النظام، ويشمل التهريب كل من النفط والمخدرات والسيارات، وكذلك الحصول على عائدات تهريب وإتاوات عبور مختلف المواد التجارية والغذائية والاغنام وصولاً لتجارة وتهريب البشر عبرها.
فرض هذا العامل واقعاً جديداً لمجلس دير الزور العسكري المنضوي تحت سيطرة “قسد” وقائده أحمد الخبيل الذي بدأ يتكون لديه طموح بالخروج من عباءة قسد، لذلك عمل على تكوين حاضنة / عشائرية / من أقاربه والمنتفعين معه، فقام بإزاحة أمير عشيرة البكير من ثم لقب نفسه بشيخ مشايخ العكيدات، ومؤخراً بدأ بالعمل على ترويج نفسه على أنه أمير عيال الأبرز وهي إتحاد قبائلي تاريخي أكبر، كذلك بدأ بالتواصل مع أطراف بالتحالف الدولي بصورة منفردة، وبذات الوقت بدأ بممارسات مسيئة لشيوخ وأبناء العشائر من أبناء المنطقة، مثل حادثة اغتصاب وقتل فتاتين في إحدى بلدات دير الزور، مما زاد من نقمتهم عليه وخرجوا بمظاهرات لإقالته، وكان مطلب إقالتها ضمن مطالب شيوخ العشائر والوجهاء للوفود الامريكية التي زارت المنطقة.
تحركات أبو خولة لزيادة نفوذه بدأت منذ منتصف عام 2020، وازدادت خلال العام الماضي بشكلٍ كبير وظهرت في عدة تسجيلات صوتية وزياراتٍ عشائرية يطرح نفسه وقواته كأحدى قوات النجدة للعشائر (مثل ما حدث اثناء واجب العزاء في شيخ عشيرة الشمر حميدي دهام الهادي). أدت كل هذه التحركات الخاصة بأبو خولة لقيام ” “قسد” ” بعدة محاولاتٍ لاستئصاله وفصيله من المنطقة، وبذلك تحقق عدة أهداف منها كسر شوكة المجلس العسكري الذي بدأ يشكل قوة خاصة به، ومنها جعل الاستئصال ضمن رغبة الأهالي.
بداية الصراع
نتيجة الرفض الشعبي لوجود “قسد ” وخروج المظاهرات المطالبة بالخدمات والرافضين للفساد الموجود في المنطقة بكافة أشكاله، زادت ”قسد“ من سطوة أجهزتها الأمنية، الأمر الذي جعل مجلس دير الزور العسكري في مواجهة الأهالي على اعتبار أنه المسؤول أمنياً عن المنطقة، كما زاد من عوائده المادية بعد سيطرته على المعابر النهرية مع نظام الأسد، والتي كانت تدر مبالغ مادية كبيرة بسبب تهريب المواد النفطية والغذائية والسيارات وغيرها من المواد التي يحتاجها الناس على طرفي النهر، إلا أن تجارة وتهريب المخدرات كانت الأكثر ربحاً وهي أحد أسباب الخلافات داخل مكونات قسد، زيادة القوة العسكرية والمادية لدى أبو خولة قائد مجلس دير الزور العسكري، أجج لديه نزعة نحو الانفصال عن “قسد” وتشكيل قوة مستقلة عنها، واصطدم بشيوخ ووجهاء عشائر المنطقة وموزعاً الشتائم والتهم لهم.
الأمر الذي تسبب بازدياد الشكاوى عليه من قبل الشيوخ والوجهاء عند المسؤولين الأمريكان وقيادات التحالف خاصة الوفود التي زارت المنطقة في شهر شباط فبراير الماضي، هذه الشكاوى دفعت بأبو خولة للتصعيد أكثر ضد العشائر.
وبسبب محاولته الافتراق عن ” قسد “ وجدت قيادة “قسد” في الرفض الشعبي له فرصة للقضاء عليه فكانت محاولتها الأولى لاعتقاله في شهر تموز الماضي انتهت بالاتفاق بين الطرفين بتقاسم السيطرة، وأتت عملية إزالة أبو خولة في ظل ازدياد الحديث عن عملية مرتقبة للتحالف على الحدود العراقية السورية وموقف ” قسد “ الرافض للمشاركة فيها، وهو ما دفع ببعض المتابعين لينسبوا الرفض لجناح ال pkk الذي تربطه علاقات جيدة مع قيادات إيرانية وبالتالي هناك رغبة بعدم التصعيد معه، حيث أن هذا الرفض جعل الباب مفتوحاً ربما لمكون عربي قد يكون بديلاً لقسد في المنطقة في حال حدثت مواجهات بين التحالف الدولي والميليشيات الإيرانية. وفي ظل ارتفاع احتمالات المواجهة بين الأطراف المتداخلة في محافظة دير الزور، ومع ارتفاع حدة المظاهرات في السويداء، قامت” قسد “بدعوى فساد أبو خولة بإلقاء القبض عليه مع عدد من قيادات مجلس دير الزور العسكري بطريقة تضمن عدم الصدام معه حتى لا تفشل مثل المرة السابقة، عبر الإعلان عن عملية أمنية “وهمية” ضد عناصر من تنظيم الدولة وقطعت الاتصالات عن المنطقة وهاجمت مقرات المجلس مما اعتبره أهالي المنطقة صراعاً داخلياً داخل مكونات “قسد” نفسها لا دخل لهم به.
الصراع مع العشائر
لم تكتف” قسد “بمداهمة مقرات المجلس العسكري ومنازل قادته بل وسعت دائرة استهدافها لمناطق أخرى لا تخضع لنفوذ المجلس أو قادته، مستخدمة القوة المفرطة والعنف في عمليات التفتيش والاعتقال مما تسبب بمقتل عدد من المدنيين بينهم طفل، وكان هذا التدخل العنيف من جانب ”قسد“ في المنطقة سبباً لاشتعال الاحتجاجات فيها، مع وجود تراكمات كبيرة من الممارسات التي رفضها الأهالي والفساد المتراكم، كما وجد المحتجون الفرصة سانحة لإخراج ”قسد“ من مناطقهم وتم اخراج عناصرها من عدد من البلدات امتدت من مدينة البصيرة ومحيطها حتى ذيبان بالريف الشرقي، واستمرت الاشتباكات الأولى لما يقارب ال 5 أيام سيطر خلالها الأهالي على مناطقهم، ومع هذا التحول كان لابد من التنسيق بين الأهالي المنتفضين لتحديد الخطوات القادمة، مع قيام ”قسد“ بتجميع عناصرها مجدداً للعودة للمنطقة.
وبسبب غياب أي جسم سياسي أو مدني أو عسكري في المنطقة كان لابد من اللجوء للحالة الاجتماعية الأكثر تنظيماً وهي وجهاء وشيوخ العشائر وهم الأقدر في ظل غياب أي شكل آخر للتنظيم على تنظيم الحراك عسكرياً واجتماعياً وهم أقرب للتعاون والتنسيق والمفاوضات مع التحالف الدولي بسبب مكانتهم الاجتماعية التي يدركها التحالف الدولي في المنطقة، وعليه أصبح الشيخ ابراهيم الهفل شيخ قبيلة العكيدات ممثلاً وقائداً للحراك بشكله العام.
مميزات الحراك / الانتفاضة / ضد” قسد“
تميز الحراك ضد” قسد “باندفاعة واضحة سببها النقمة على تصرفات” قسد “السابقة ورغبة الأهالي بإدارة منطقتهم بأنفسهم وعدم التعامل مع” قسد“كسلطة أمر واقع،
هذه الاندفاعة رغم دعمها من عدد من المناطق إلا أنها لم تكن شاملة للمنطقة، إذ شهدت تردد بعض المناطق والوجهاء ولأسباب تتعلق بتجارب سابقة أو بضعف التنسيق أو بعدم الرغبة بالتصعيد.
شكل آخر ميز الصدام والذي تحول لصدام مسلح مفتوح، هو ضعف السلاح عند أبناء العشائر حيث لا يمتلك هؤلاء سوى السلاح الخفيف وذلك بسبب قيام تنظيم الدولة سابقاً وقسد لاحقاً بسحب الأسلحة من الأهالي، فيما تمتلك” قسد “مختلف أنواع الأسلحة بما فيها الطائرات المسيرة، الأمر الذي رجح كفة “قسد” لاحقاً والذي تسبب بعودتها للمنطقة وإعلان انتهاء ما سمي بالعملية الامنية.
المواقف الخارجية مما حدث
على الرغم من كثافة الحدث ومدلولاته إلا أنه لم يشهد تفاعلاً اقليمياً واسعاً، واقتصر الأمر على التصريحات التركية رغبة بالاستفادة من هذا الحراك في اضعاف قوة “قسد” على الأرض، إذ سمح الجيش الوطني الموجود في الشمال السوري وبموافقة تركية بدخول عدد من أبناء العشائر والمنطقة لمساعدة الحراك في الداخل، وهي خطوة رمزية لم ترد تركيا من خلالها الإخلال باتفاقات استانا مع روسيا ونظام الأسد من جهة، وايضاً حرصاً على عدم استثارة الأمريكان من جهة أخرى، وبالتالي اقتصر الدعم على اشتباكات تلاشت لاحقاً نتيجة عدة أسباب منها قصف الطيران الروسي لجبهة منبج، وعدم وجود أجواء توافقات دولية باتجاه تغيير مناطق السيطرة في سوريا.
موقف النظام والمليشيات الايرانية
حاول نظام الأسد الاستفادة مما حصل قدر الامكان خاصة من الناحية الإعلامية مصوراً ما حصل على أنه من تدبيره، كذلك حاول استغلال ذلك من أجل تصوير عدد من عناصره وكأنهم يشاركون أبناء المنطقة في انتفاضتهم، لذلك عمل من خلال إعلامه على / دعم الحراك / وبذات الوقت مهاجمة قسد، والتي ينسق معها في أماكن مختلفة من المربع الأمني في الحسكة وصولاً لمطار القامشلي، لكن بيانات أبناء المنطقة كذبت ادعاءات النظام وخاصة الدور الذي كان مرسوماً لشيخ عشيرة البكارة والمؤيد للنظام السوري نواف البشير والذي فشل في تكوين رأي عام داعم له للتدخل المزعوم.
المستفيد من الحراك
لعل أبرز المستفيدين من هذا الحراك هو التحالف الدولي الذي استكشف مواطن القوة لدى أهالي المنطقة من جهة، وأوجد أداة ضغط على قسد، وتحقيق استراتيجيته بعدم وجود قوة واحدة ذات تأثير كبير من المنطقة خوفاً على مصالحه فيها.
ثانياً أبناء المنطقة الذين وإن خسروا جولة المعارك إلا أنهم أثبتوا للجميع أنهم لاعب مؤثر وقادر على خلط الأوراق فيها.
نظام الأسد والإيرانيين وإن كان بصورة أقل من خلال استغلال ما حدث إعلامياً دون تأثير ملحوظ على الأرض لكنه حمل رسالة واضحة للتحالف على عمليات خلط الاوراق التي يقوم بها في المنطقة.
سيناريوهات ” للتوافقات والتحولات القادمة “
بعد انتهاء زخم العمليات العسكرية وخروج “قسد” من المدن والقرى التي دخلتها ينتظر الجميع دوراً للتحالف من أجل إعادة ترتيب أوراق المنطقة بما يضمن حالة الاستقرار، التي يبحث التحالف عنها لزيادة الضغط على النظام ولمنع عودة ظهور تنظيم الدولة، ولجهوزيتها في حال حدوث أية عمليات عسكرية ضد ” الميليشيات الإيرانية في المنطقة، وحتى اللحظة اقتصر تدخل التحالف على عمليات استطلاع الرأي والحديث مع جميع الأطراف دون فرض أي حلول مباشرة أو قطعية وقد يستغرق الأمر فترة أسابيع لنرى نتيجة ما حدث على الأرض. وكون التحالف يمتلك معظم أوراق الحل في المنطقة فإن أي سيناريو يجب أن يكون نتيجة لتوافقات ترضي أهالي المنطقة في ظل سيطرة التحالف الدولي عليها، وعليه فإن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة:
الاول: وهو الأكثر ترجيحاً: وهو أن يبحث التحالف عن حلول توافقية تؤدي لتنفيذ جزء من مطالب الأهالي بالتالي، اشراكهم بشكل أكبر في ادارة منطقتهم وذلك من خلال تسليمهم للملف الأمني وعبر شخصيات متوافق عليها، وكذلك ادارة المنطقة ادارياً مع الابقاء على الارتباط مع “قسد” خاصة في ملفات النفط والاقتصاد وادارة المعابر ويبقى ملف المعتقلين أحد اسباب الخلاف والذي قد يتركه التحالف بيد “قسد” لوقت أطول، وبالتالي يضمن التحالف استقرار المنطقة أمنياً من خلال حفظ الأمن بيد أبنائها الاكثر معرفة بطبيعتها.
الثاني: هو حل الخلافات الكبرى مثل الامن والاقتصاد بالتراضي مع أهل المنطقة وترحيل الخلافات الاخرى لوقت لاحق بالتالي امتصاص غضب الأهالي وعدم إجراء تغييرات واسعة في الادارة مما يضمن استمرار الوضع على ما هو عليه في حالة من عدم الاستقرار والمؤهل للانفجار في أي وقت.
الثالث: هو الابقاء على الوضع على ما هو عليه والاعتماد على / قدرة “قسد” على الدخل / وهذا ما يجعل المنطقة ساخنة وقد تتحول لعمليات أمنية من قبل الاهالي بما يشبه المقاومة السرية لوجود قسد، وذلك سيكون انعكاس لحالة الخذلان التي سيتركها قرار التحالف، وبالتالي استمرار اللا استقرار في المنطقة.
خاتمة
لا يخدم عدم استقرار المنطقة أي من الجهات المسيطرة فيها، و سيحاول النظام السوري والمليشيات الايرانية استغلال حالة عدم الاستقرار من أجل افتعال مخاطر أمنية واغتيالات تؤجج الصراع فيها، لذلك فإنه لابد من ايجاد حل مستدام يؤدي للاستقرار وذلك من خلال الاستجابة لطلبات أهالي المنطقة من جهة ودعمها سياسياً واقتصادياً من أجل تشكيل بيئة حكم مرحلي لها يشارك بها أهالي المنطقة ويشرف عليها التحالف الدولي، واعتبار الحل في المنطقة هو جزء من الحل السوري الشامل، ضمن التوافقات والقرارات الدولية والتي اهمها القرار 2254 وقرارات مجلس الامن المتعلقة بالحل السوري، وبالتالي يجب التركيز على أن أي حل هو حل مرحلي مرتبط بالحل السوري الشامل وليس حلاً دائماً يؤسس لحالة دائمة في المنطقة.