غزة تعيد تشكيل المقاربات الأمنية والعلاقات الدولية بين قوى العالم
مصدر الصورة: Stackexchange
غزة تعيد تشكيل المقاربات الأمنية والعلاقات الدولية بين قوى العالم 5
ملخص تنفيذي
- تعيد الحرب الدائرة في غزة مركزية دور قضية فلسطين في رسم جزءٍ هام من العلاقات الدولية وستترك تأثيرات عميقة على المنطقة.”، متجاوزاً الحدود الجغرافية للقطاع، وستشكل تحديًا كبيرًا للتوازنات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط.
- إذا لم تحدث عملية اجتياح إسرائيلية في غزة، فقد تنجح حركة حماس في تعزيز دورها كقوة مقاومة فلسطينية، مما سيؤثر على شرعية السلطة الفلسطينية ومشاريع الدولتين كحلاً للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
- تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الصراعات الإقليمية ويجعل من المنطقة مسرحًا للصراعات الوكالية والمصالح السياسية.
- أحدثت الحرب في غزة تحولاً في الموقف الدولي تجاه إسرائيل، مما يمكن أن يضعف مشاريع التطبيع الإقليمي والدولي معها، ويضع الضغط على الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
- إذا نجحت إسرائيل في إنهاء حكم حماس في غزة، فسيكون لذلك تأثيرات هائلة على الساحة الإقليمية، بما في ذلك على مستوى الصراع الداخلي الفلسطيني ودور إيران والتوازن الإقليمي الأمني.
- “تأثير الحرب في فلسطين يُظهر تحولات معقدة في المشهد الدولي وفي الاقطاب الدولية المفتقدة لهوية جامعة بعد، مثل مجموعة بريكس، التي دعت معظم دولها للالتزام بالقانون الدولي، وحقوق الإنسان كأسس لحل الصراع وتحقيق الاستقرار، إلى جانب ” محور المقاومة ” الذي استنكرت دوله وأذرعه العسكرية الأعمال العدائية على غزة، وكلا المحورين يواجهان صعوبات متعددة.
- ” المحور التركي” الذي يشمل الدول التي بنت تركيا معها علاقة تبادلٍ قوية، انتقدت دول هذا المحور، العمليات العسكرية بقوة وأعربت سواءً تركيا أو قطر عن جهوزيتهم لدعم جهود الوساطة وتحقيق وقف لإطلاق النار.
- تواجه الولايات المتحدة تحديات داخلية وخارجية بسبب تصاعد الصراع في فلسطين، مما يجعلها في موقف حرج يؤثر على علاقاتها مع الدول الحليفة لها من جهة والمناصرة لخيار الدولتين في فلسطين من جهة أخرى، ويمكن قراءة قرار وزارة الخارجية الإردنية بالغاء القمة الرباعية التي كان من المفترض عقدها في عمان ضمن هذا السياق.
- “تظهر الحرب في غزة تطورًا في قدرة حماس على تطوير صواريخ بمدى يصل إلى 250 كيلومترًا، مما يشكل تهديدًا لمدن إسرائيلية كبيرة ويكشف عن نقاط ضعف في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي.”
تمهيد
قاربت مدة بدء الحرب في قطاع غزة أسبوعين من الزمن نتيجة ” عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها “حركة حماس”، ورغم هذه المدة القصيرة إلا إنه بدأت بوادر لتغيرات على الأصعدة الداخلية، والإقليمية والدولية، تظهر نتيجة لهذا الصراع. حيث أن من المتوقع أن تؤثر هذه الأحداث على التحولات السياسية داخل “إسرائيل”، التي كانت تعاني من مشكلات وأزمات سياسية عميقة مسبقًا. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تشهد الساحة الفلسطينية تغييرات في هياكل القيادة الفلسطينية ومستقبل الحركات المسلحة في قطاع غزة -كتصريحات رئيس السلطة الفلسطينية، بعدم تمثيل حماس للفلسطينيين- وهي حالة انهيار للتقارير التي كانت تتحدث قبل عملية ” طوفان الأقصى ” حول إمكانية الاتفاق بين حكومتي الضفة الغربية وقطاع غزة، و في حال اتساع رقعة الصراع لتشهد تدخل أطراف إقليمية، بأدوات تتجاوز بحدتها الحالية والمتمثلة بالمواقف السياسية، والدعم الإعلامي، سيعني إمكانية حدوث تحولات كبيرة على مستوى الشرق الأوسط بأسره، وهي التحولات التي بدأت أيضاً معالمها بالتشكل في ظل نقل تقارير عن تأخير ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لقاءه مع وزير الخارجية الأمريكي، بالإضافة لتقارير أخرى تشير بأن المملكة ستجمد خططها الهادفة إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بعد أن كانت قد وصلت للمساتها الأخيرة مع استقبالها لوزيرين من الحكومة الاسرائيلية كان اخرها بداية هذا الشهر الحالي.
من البديهي أن الحرب الدائرة في غزة بين إسرائيل وحركة حماس لن تؤثر فقط على الفلسطينيين والإسرائيليين، بل ستمتد آثارها إلى المنطقة العربية والإسلامية والدول المرتبطة بهم بصورة واسعة، حيث تُشكل هذا الحرب تحدياً للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، التي باتت تعاني بالأساس من حروبٍ متعددة مستمرة منذ ثلاثة عقود، وتثير التوترات بين الدول المؤيدة لإسرائيل أو حماس أو التي تقف على مسافة واحدة بين الطرفين، إلى جانب إنها أعادت محورية قضية فلسطين في العلاقة بين غالبية المجتمعات المسلمة، والدول الغربية، كما أن من شأن هذا الصراع يؤثر على المصالح الاقتصادية والسياسية للدول الكبرى بشكلٍ بيني، أو من بينهم وبين الدول المحيطة بفلسطين، وإسرائيل، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر إسرائيل حليفاً استراتيجياً وتدعمها عسكرياً ودبلوماسياً، وكانت تعمل على ” تحقيق المشروع الابراهيمي” المتمثل بعقد اتفاقيات سلام بين الدول العربية واسرائيل، وهو ما من شأنه أن يفتح مجال معظم منطقة الشرق الاوسط العسكري والاقتصادي أمام الولايات المتحدة، وتمثل هذا الأمر في طرحها للمر الاقتصادي الممتد من الهند إلى أوروبا، مروراً بالدول العربية، في مواجهة طريق الحرير الصيني، الذي صرفت الصين لأجله عشرات مئات المليارات من الدولارات، والانخراط بدبلوماسية قوية مع دول الطريق أو التي يمكن أن تتضرر منه.
تأثيرات متزايدة ستخلفها حرب غزة على توازنات القوى في الشرق الأوسط:
وتتمثل هذه التأثيرات بداية باحتمالين وما يرتبط بهما من سيناريوهات، وهما حدوث الاجتياح الاسرائيلي أو عدم حدوثه:
في حال عدم حدوث اجتياح عسكري إسرائيلي
- وعدم انهاء وجود حركة حماس من المشهد، لإمكانية تعزيز دور حماس كقوة مقاومة فلسطينية، وهو ما سيزعزع شرعية السلطة الفلسطينية كممثل رسمي للشعب الفلسطيني، و سيؤدي لتفكيك مشاريع حل الدولتين كأفق سلام ممكن بين إسرائيل والفلسطينيين.
- تصعيد التوتر بين إيران وإسرائيل، حيث تدعم إيران حماس وحزب الله كحلفائها في المنطقة، وتهدد إسرائيل بالانتقام من أي تدخل إيراني في الصراع، ويظهر بوضوح أن جزءاً هاماً من الحرب الدائرة في غزة يعود بأسبابه لحروب الوكالة الدائرة في المنطقة.
- احتمالية إضعاف مواقف دول عربية مثل مصر والأردن والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في الآونة الأخيرة، أمام شعوبها والرأي العام العربي والإسلامي، الذي يدين العدوان الإسرائيلي على غزة.
- الضغط على دور تركيا كلاعب إقليمي نشط في دعم قضية فلسطين، و استحداث تحدي مصالحها مع دول أخرى مثل روسيا والولايات المتحدة.
- التأثير على اقتصادات دول المنطقة، خاصة المصدِّرة للنفط، بسبب احتمال اضطرابات في سوق الطاقة أو اغلاق مضائق استراتيجية مثل هرمز أو باب المندب.
في حالة حدوث اجتياح بري
وضمن هذا السيناريو إذا نجحت في إنهاء حكم حركة حماس في قطاع غزة، سيكون لذلك تأثيرات كبيرة وتداعيات على مستوى الشرق الأوسط، نظرا لتعدد الفواعل المتعددة المتداخلة مصالحهم في المنطقة، وتشمل بعض التأثيرات المحتملة:
- . عودة الصراع للبيت الداخلي الفلسطيني: قد يؤدي اجتياح إسرائيل لغزة وإنهاء حكم حماس إلى تصاعد الصراع الداخلي الفلسطيني، حيث ستزداد التوترات بين فصائل فلسطينية مختلفة، مما يجعل تحقيق المصالحة الوطنية والوحدة الفلسطينية أكثر صعوبة.
- التأثير على المحور الإيراني: إذا ما تدخل “محور المقاومة” بشكل فعال لدعم حماس في هذا السياق، فإنه قد يزيد من التوترات بين إسرائيل وإيران، والأطراف المتحالفة معها، وسيؤدي إضعاف أو انهاء حركة حماس إلى التضييق على وكلاء إيران في المنطقة بصورة كبيرة حيث ستخسر إيران ورقة مهمة في صراعها مع الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل، وسيضع كافة المنطلقات المذهبية والسياسات الأمنية الإيرانية بكافة أذرعها في مواجهة مع حقيقة تدخلها أم لا، وحتى الآن تقوم إيران بالسير بخطوات براغماتية لحد كبير، فتصريحات المسؤولين الإيرانيين هبطت من درجة محو إسرائيل من الخارطة، إلى الدعوة لوقف الدماء، والتهديد بالتدخل في حال تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الأمر يظهر بإن إيران لن تتدخل كما كان متوقعاً منها، وهو ما صرح به عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق قائلاً” للأسف لا يوجد تنسيق، مستثيناً بعض الاتصالات والحوارات، وأضاف: لأكون بمنتهى الصراحة كنا نتوقع أن يكون التفاعل مع الحدث أكثر بكثير مما جرى لليوم، داعياً إياهم للمزيد من المشاركة إن شاؤوا ذلك.”. أما في حالة تدخل إيران في الحرب، فقد أظهرت الولايات المتحدة عبر استقدامها لحامليتي طائرات، بأنها لن تكون حرباً سهلة، رغم ذلك تبقى إيران صاحبة فرصة قوية في توجيه ضربات قاسية للقوات والقواعد الأمريكية في المنطقة بعمومها، وهو ماسيفتح الباب أمام حربٍ طاحنة تتجاوز حدود عدة دول.
- التأثير على مفهوم حل الدولتين: إذا ما نجحت إسرائيل في إنهاء حكم حماس، فإن ذلك قد يضعف أيضًا مفهوم حل الدولتين كحلاً للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. يمكن أن يزيد من دعم بعض الفلسطينيين لحل أحادي الدولة ويزيد من التحديات لتحقيق الحل الدبلوماسي ويفسح المجال أمام إسرائيل لفرض وجهة نظرها بخصوص هذا الملف المعقد.
- التأثير على التوازن الإقليمي: قد يؤدي هذا السيناريو إلى تغييرات في توازن القوى في المنطقة، مع تحسين قدرات إسرائيل العسكرية وإضعاف دور الأطراف الإقليمية الأخرى.
- سيؤثر الاجتياح على تموضع الدول العربية سواءً التي وقعت اتفاقيات سلامٍ مع إسرائيل قبل ثلاثة عقود من الآن، أو التي انخرطت في عملية تطبيع مؤخراً في الخليج والسودان، وسيكون الباب مفتوحاً أمام ثلاثة احتمالات رئيسية: الأول انتهاء حماس وتشتت الكتلة البشرية المتواجدة في غزة، وهو أمر أما سيدفع لانهيار الكثير من خطوات التطبيع، أو سيكون باباً للسير في خطواتٍ أسرع في ظل عائق أقل، الاحتمال الثاني وهو مرتبط بما ستقدم عليه إيران ويرتبط باحتمالات توسع الحرب، وستكون المنطقة مفتوحة على خيارات متشعبة لا يمكن تصورها الان.والثالث يتمثل بالاجتياح وإنهاء حماس مع المحافظة على الكتلة البشرية في القطاع، وهنا ايضاً من المحتمل ان يتم إعادة تفعيل وتسريع خطوات التطبيع.
ارتدادات الحرب في عالم يحاول التخلص من أحادية القطب المتحكمة فيه
يزيد تأثر وتأثير الكثير من الأطراف في مجريات الصراع الدائر في فلسطين من صعوبة تلمس احتمالات وسيناريوهات تطور الأوضاع ومآلاتها، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه التأثيرات قابلة للتغيير أو التوسع والتراجع، حسب مجريات الحرب ومدى تورط الدول الأخرى فيها، اضافة لهذه الارتدادات ، فمن المحتمل أن يظهر للحرب تأثير على المحاور العالمية المختلفة التي بدأت تظهر بالأخص في مرحلة الحرب الأوكرانية، وخاصة على العلاقات بين الدول التي تدعم أو تعارض أي طرف من الأطراف المتصارعة. من بين هذه المحاور، يمكن ذكر ما يلي:
المحور الأمريكي
تعتبر الولايات المتحدة نفسها حليفة إسرائيل الأولى والرئيسية، وتقدم لها دعماً عسكرياً ودبلوماسياً ومالياً، وتقود الولايات المتحدة عبر تأثيرها ونفوذها السياسة الخارجية لمجموعة من الدول في أوروبا الغربية واليابان، وفي هذه الحرب، واجهت الإدارة الأمريكية ضغوطاً داخلية وخارجية للتدخل لوقف التصعيد والوساطة لإنهاء النزاع، كما تعرضت الولايات المتحدة لانتقادات من بعض الدول والمنظمات الدولية لعرقلتها صدور بيان مشترك من مجلس الأمن يدين العنف ويطالب بوقف إطلاق النار، وقد أثارت هذه الحرب تباينات في الرأي العام الأمريكي وبين أعضاء الكونغرس حول موقفهم من إسرائيل والفلسطينيين، والازدواجية بين الشعارات التي تُصدرها الولايات المتحدة الأمريكية إلى العالم وتصرفاتها على أرض الواقع، وهو ما سيعيد صورة واشنطن في مخيلة شعوب المنطقة لما قبل أحداث 11/9 2001، عندما خطط ونفذ تنظيم ” القاعدة ” هجماتٍ عبر خطف الطائرات المدنية واستخدمها لتفجير برجي التجارة العالمي، وستفقد الولايات المتحدة جزءاً هاماً من الرصيد الذي حاولت أن تبنيه عبر تشكيل التحالف الدولي لمحاربة ” تنظيم داعش” .
يخلق الموقف الأمريكي والغربي عموماً من أحداث الحرب في غزة ما سماها الكاتب السوري ” محمد برو” بـ الديمقراطية المذعورة، ويذكر الكاتب بإن “حجم التبادل التجاري السعودي الأميركي في عام 2022 تجاوز 65 مليار دولار، بينما لم يبلغ حجم التبادل الإسرائيلي الأميركي الخمسين مليار دولار في العام نفسه”، وهي مقارنة تظهر بإن التبادل الاقتصادي لدولة عربية واحدة يقابل أضعافاً مضاعفة من التبادل التجاري مع اسرائيل، إلى جانب إن الدور الاسرائيلي في محاربة الارهاب لم يكن له وجود” إلا في التجاوزات والانتهاكات الفاقعة لكل العهود والمواثيق الدولية، والأعراف الإنسانية وحقوق الإنسان، والقرارات الأممية” في فلسطين.
يؤدي هذا التسابق المحموم لنيل رضا اسرائيل، وتأييدها بشكلٍ غير مسبوق لفقدان العالم الغربي والمجتمع الدولي بالعموم لمصداقيتهم المفقودة فيما يخص قضايا وشعوب الشرق الأوسط بالكامل، وتظهر بداية تداعيات هذه المواقف الغربية من القرار الأردني بإلغاء عقد ” القمة الرباعية ” التي كانت من المفترض أن يتم عقدها في عمان بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية، مصر، الأردن، والسلطة الفلسطينية، ويبدوا أن القرار الإردني جاء نتيجة عدم تقديم الولايات المتحدة لأية بوادر لطرح مبادرة لإيقاف الحرب فوراً، في ظل مجزرة مستشفى الأهلي، وهو الأمر الذي سيكون له كلفة سياسية كبيرة.
دول بريكس
هي مجموعة من خمس دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، تتشارك في مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة، وقد أبدت هذه المجموعة قلقها من تصاعد العنف في غزة، ودعت إلى احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي، وإلى حل سلمي للصراع على أساس حل الدولتين، كما أظهرت بعض دول هذه المجموعة مواقف مؤيدة للفلسطينيين، مثل روسيا التي استضافت قادة فصائل فلسطينية في موسكو قبل اندلاع الحرب، وأجرت اتصالات مكثفة مع جميع الأطراف، بما في ذلك حماس. كما عبرت روسيا عن استعدادها لاستضافة مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، والصين التي اتهمت الولايات المتحدة بالانحياز لإسرائيل، وستحاول دول هذا المحور بالأخص الصين وروسيا استغلال هذه الفرصة لزيادة نفوذهم في المنطقة بالأخص بعد قيام الصين بعقد اتفاق تطبيع العلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران بداية هذا العام، وبالعموم تستفيد دول هذا المحور من تجذير الصورة الذهنية حول الولايات المتحدة الأمريكية بأنها مفتعلة الحروب حول العالم.
"محور المقاومة"
هو مجموعة من دول وحركات تقودها إيران، تهدف إلى مواجهة نفوذ إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة، هذه المجموعة تضم سوريا وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، وقد أعلنت هذه المجموعة تضامنها مع الفلسطينيين، وأشادت بصمودهم وبطولاتهم، واتهمت إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، كما قامت بعض عناصر هذه المجموعة بإطلاق صواريخ وطائرات مسيرة تجاه إسرائيل أو مواقعها، مثل حزب الله اللبناني، ولم يستطع هذا المحور حتى الآن تطبيق شعاراته التي كررها ل40 عاماً، والمتمثلة ” الموت لأمريكا، الموت لاسرائيل”، وشعارات ” طريق القدس يمر من كربلاء، ومع إندلاع الثورة في سوريا تم تحديثه إلى ” طريق القدس يمر بالقلمون والزبداني والسويداء والحسكة”، وفي حال سقوط غزة فإن هذا المحور من أكثر الأطراف المتضررة، نتيجة فقدانه لكافة السرديات التي بنى عليها تدخل في مجموعة من البلدان العربية، ونشر فيها أذرع ما دون الدولة، وهي التي سيطرت على قرارات الدول ذاتها، ولم يعد لديها حجج تمكنها من التبرير لعدم التدخل ومساندة ” حماس”، مثل حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والنظام السوري وميليشياته في سوريا.
“المحور التركي”
تركيا هي دولة إسلامية وعضو في حلف الناتو، تتمتع بنفوذ إقليمي ودولي، كما تعتبر تركيا نفسها داعمة للقضية الفلسطينية، وتنتقد بشدة سياسات إسرائيل والولايات المتحدة تجاه هذه القضية، وتربطها علاقة تحالفية قوية مع دولة قطر، والحكومة الليبية في طرابلس، بالإضافة لمجموعة دول أخرى بدأت ترسم خطوط سياستها الخارجية بالتوافق مع السياسة التركية – بعض حكومات مجموعة الدول التركية- وقد أدانت تركيا العملية الإسرائيلية على غزة، ووصفته “بإرهاب الدولة”، كما قدمت مساعدات إنسانية وطبية للفلسطينيين، وأبدت استعدادها للمشاركة في جهود إعادة الإعمار. وتعمل على التنسيق مع دول أخرى مثل قطر ومصر وروسيا للتوصل إلى هدنة بين الأطراف المتحاربة، وفي الوقت الحالي تظهر تركيا متضررة وكاسبة من الحرب الدائرة في غزة، فهي من جهة تتضرر جهودها التي بدأتها منذ ثلاثة أعوام تقريباً في هدف إعادة الهدوء لعلاقاتها مع الدول الخليجية واسرائيل، وتكسب تركيا على المدى البعيد فيما يتعلق بعدم أمان مشروع ” الممر الاقتصادي” وإعادة الاهمية لطريق الحرير الذي تعتبر تركيا أحد أعمدته، وبالعموم فرغم طرح تركيا لإمكانية لعبها دور الوساطة، إلا أنها لا تمتلك مدى النفوذ الذي تمتلكه إيران على المنظمات الفلسطينية المنخرطة في الحرب الحالية.
آفاق محتملة لتداعياتٍ تتنافس في الخطورة
أظهرت الحرب في غزة قدرة حماس على تطوير وتخزين وإطلاق صواريخ بمدى يصل إلى 250 كيلومترا، مما يشكل تهديدا للمدن الإسرائيلية الكبرى مثل تل أبيب وحيفا، والمدن الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، كما إنها كشفت عن إمكانية اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، خاصة نظام القبة الحديدية، في التصدي للصواريخ المتعددة والمتزامنة، إلى جانب كشفها عن فشل إسرائيل في اكتشاف وتدمير شبكة الأنفاق التي تستخدمها حماس لإخفاء صواريخها وعناصرها، وهو ما سيدفع بسباق التسلح لدى إسرائيل وبقية دولة المنطقة ليصل لحدوده القصوى، في محاولة لردم هذا الشرخ الحاصل، وبالتالي زيادة الملفات المتوترة بين الدول المحورية فيما يخص ترسانة كل طرفٍ من الأسلحة التقليدية والمتطورة. كل هذا بالإضافة لإستخدام كافة الأطراف لتهييج مجتمعاتها، رفع من سوية خطاب الكراهية المباشر في المنطقة لحدودٍ لم يصل لها من قبل، كما إن الحرب أظهرت في ظل انهيار المنظومات الامنية التقليدية في دولٍ عدة: سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، وغيرها، أظهرت بإن الفواعل ما دون الدولة، وقوى الأمر الواقع ستفرض نفسها لفترة قادمة أطول.
أعادت الحرب فرص تشكل الأقطاب العالمية للواجهة، فالمواقف التي ظهرت من الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة واستخدام الفيتو في مجلس الأمن، يدفع بأجواء العلاقات الدولية باتجاه تشكيل محاور جديدة، تستفيد من القطيعة التي حصلت اقتصادياً وعسكرياً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فرغم تضرر روسيا بشكلٍ كبير من العقوبات الاقتصادية، إلا أنها استطاعت ودفعت أيضا لقطع علاقاتها مع المحور الغربي والتي بنيت في مرحلة انهيار الاتحاد السوفيتي وما بعده.
أخيراً ترتبط الكثير من الأحداث باحتمالية سقوط أو عدم سقوط قطاع غزة واحتمالات “انتهاء الوجود العسكري لحركة حماس في القطاع” ، وهذا التداخل يحدث في ظل وجود أطرافٍ كثيرة مستفيدة مما حدث في غزة واسرائيل، بالاخص ” محور المقاومة المتمثل بإيران” وثم حليفتها روسيا، التي أدت العملية لتشتيت التركيز الغربي، والأمريكي على أوكرانيا، إلى جانب الصين، ومجموع هذه الأطراف استفادوا من إعاقة مشروع الولايات المتحدة في السير بعملية التطبيع ” العربية – الاسرائيلية”، وهو ما يمثله من إعاقة لمشروع الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا أيضاً.
أما في حال عدم سقوط قطاع غزة، فستكون ” حماس” والفلسطينيين قد استطاعوا في إعادة قضيتهم لتكون محورية، سواءً فيما يخص السلام العربي الاسرائيلي، أو فيما يتعلق بالمشاريع الاستراتيجية العظمى كالممر الاقتصادي، إلى جانب مشاريع التنقيب وتصدير الغاز من حوض المتوسط.