مقتطفات من الندوة

• يمكن تقسيم تجربة الإعلام الكردي في العراق في حقبة ما قبل انتفاضة 1991، لنوعين من الإعلام: الأول ما سمي بإعلام الجبل: وتمثل بإذاعتين حزبيتين للاتحاد الوطني والديمقراطي الكُردستاني، والنوع الثاني: تمثل بالقسم الكردي في إذاعة بغداد: وكان لهذا القسم أهمية بالغة، لاسيما في المواضيع المتعلقة بالفن والثقافة.
• في مرحلة ما بعد انتفاضة 1991، حدث ما كان “أشبه بثورة إعلامية، من الناحية العددية وليس النوعية”. ويمكن تقسيم المرحلة هذه إلى فترتين، الأولى: “مرحلة امتلاك الأحزاب المنصات الإعلامية الخاصة بها، واستمر هذا النوع من الإعلام من 1991 حتى 2001، وكان إعلاماً ذا طابع حزبي، ولُحظ بأن الجمهور وصل لمرحلة الإشباع منه في العام 1999، والفترة الثانية: وهي المسماة بالإعلام الأهلي أو الإعلام غير المتحزب”.
• أكد المحاضر “فشل” إعلام مواقع التواصل الاجتماعي في تجاوز ما وصفه بـالشعبوية، التي تتجسد وفقاً له بتغطية حالاتٍ فردية بصورة مكثفة.
• اقتصر الإعلام في الإقليم على اللغة الكُردية وعدم تمكنه من مخاطبة الجماهير من القوميات والدول الأخرى، وكان يركز على الحالة الكُردية فقط، وهذا ما ولد نقصاً في التواصل مع الجماهير العربية والتركية والعالمية.
• لم يتجاوز الإقليم إلى الآن مرحلة التخمة الإعلامية، والتي امتدت لما يقارب 30 عاماً، والخطاب الإعلامي غير متجدد، ولا يقدم جديداً خارج حالة التكرار.
• تميزت الانتخابات في هذه الدورة، وبضغط من أمريكا والأمم المتحدة، بأنها كانت نزيهة بشكل أكبر من سابقاتها، التي شهدت تزويراً كبيراً فيها.
• لعبت المحكمة الإتحادية دوراً متسارعاً، بالأخص في الفترة المؤخرة، باتخاذها قرارات بشكل سريع في ملف السيد هوشيار زيباري، ونفط كردستان، وكلها لصالح الإطار التنسيقي ضد طرف مقتدى الصدر، وضد الديمقراطي الكُردستاني بالتحديد.
• كُرد سوريا يتطرقون لمشاكل الإقليم أكثر من أهله، ونحاول طرح أنفسنا على أن لدينا معرفة بواقعكم أكثر منكم.

لا أعتقد أبداً أن هناك تحفظاً من إيران وتركيا على تأسيس قنوات بلغاتها في إقليم كوردستان، ولا توجد محاولات في هذا الصدد.

تقدمة المحاضر

ندرك عند مشاهدة أعمال الأستاذ أحمد زاويتي بأنه يتحدث من ألم وواقعٍ عايشه هو، بالأخص عندما يتعلق الموضوع بالأنفال وآلامها، وفي “مركز رامان” كان لدينا فرصة لاستضافته عند قدومه إلى إسطنبول، وطمعنا بالاستفادة منها بأن يتحدث لنا عن تجربته الإعلامية الغنية، ويتحدث عن واقع الإعلام الكُردي، إلى جانب مواضيع سياسية آنية، مثل حادثة قرار المحكمة الاتحادية حول بيع إقليم كردستان للنفط.

في البداية شكر المحاضر /الضيف أحمد زاويتي مركز رامان على إتاحة الفرصة هذه له، ليتطرق باختصار إلى تجربته الإعلامية فأشار إلى قرب إنهائه العام العشرين في العمل مع شبكة الجزيرة، ونشاطه قبل ذلك في الإعلام المحلي في إقليم كردستان العراق، بين الأعوام 1994 وحتى 2003، ليدخل بعدها إلى المحاور الأساسية في الندوة.

الإعلام الكردي:

وجد المحاضر أنَّ بالإمكان تقسيم تجربة الإعلام الكردي في العراق لحقبتين، الأولى حقبة ما قبل انتفاضة 1991، حيث كان هناك نوعان للإعلام

الأول ما سمي بإعلام الجبل: وتمثل بإذاعتين حزبيتين للاتحاد الوطني والديمقراطي الكُردستاني، كانتا تقومان ببث أخبار الجبهات والواقع الكُردي في كردستان؛

والنوع الثاني تمثل بالقسم الكردي في إذاعة بغداد: وكان قسماً بالغ أهمية لا سيما في المواضيع المتعلقة بالفن والثقافة، فقد بثّت الأغاني الثورية، و”كل أغنية منها كانت بمثابة ثورة بحد ذاتها، فتخيلوا معي أن يغني تحسين طه، تلك الأغاني وبغداد لم يغنِ فيها ضد صدام حسين أحد خلال 8 سنوات من حرب إيران والعراق، فكان هو الوحيد الذي استطاع فعل ذلك، وكل أغانيه كانت ذات معنى هادف، وبشكل مباشر، وكان يستخدم أحياناً لغة الاستعارة لإيصال بعض الرسائل مثل أغنية “من تو نافى” (لا أريدك). فلم يكن مثل غيره من الفنانين، كما شفان برور مثلاً، في أوروبا يستطيع غناء ما يشاء، أما هذا المثال فهو مختلف، فتحسين طه غنى هذه الأغاني من داخل بغداد وهو بين البعثيين، وهذا بحد ذاته يعتبر جهداً قيّماً وثورة كبيرة، وكل شخصية من فناني إذاعة بغداد كانت رمزاً مهماً، وبالأخص في السنوات الممتدة بين 1970 و1980″.

انتقل زاويتي للحديث عن مرحلة ما بعد انتفاضة 1991، واصفاً ما حدث بأنه “أشبه بثورة إعلامية، لكنها كانت ثورة من الناحية العددية وليس النوعية”.

وقسم تلك المرحلة إلى فترتين، الأولى: “امتلك كل حزب أو تنظيم، إذاعة ومطبوعات وتلفزيونات ومجلات، وهذا النوع من الإعلام استمر من 1991 حتى 2001، وكان إعلاماً ذا طابع حزبي، ولاحظنا بأن الجمهور وصل لمرحلة الإشباع منه في العام 1999، وبدورهم شعر المسؤولون عن هذا الإعلام بهذا الوضع فحاولوا إحداث تغييرٍ في طبيعة إعلامهم وشكله”.

ولفت أن ما سبق مهّد الوضع لظهور “إعلام جديد” في العام 1999، أي الفترة الثانية: وهي ما أسماه بالإعلام الأهلي أو الإعلام غير المتحزب، “لكنه لم يكن في حقيقته مستقلاً ومحايداً، عبر ما قامت به الأحزاب من إنشاء منصات إعلامية لا تتبعهم بشكلٍ رسمي، لكنها كانت تقوم بالتخندق الحزبي. واستطاع هذا النوع من الإعلام الصمود لفترة إلى أن بدأ الإعلام الخبري بالظهور فظهرت قناة “أن آر تي”، ولاحقاً تم إنشاء قناة “روداو”، وبعدها كردستان 24، وأسميه بالخبري لأنه حاولت الظهور بمظهر القنوات الإخبارية مثل الجزيرة، وغيرها لكن هذا الأمر بقي محصوراً بالشكل لا بالمضمون”.

تقييم عام للإعلام الكُردي الحزبي في إقليم كردستان

بعين الخبير والناقد مضى زاويتي في تحليل الإعلام الكردي الذي تطور فيما يبدو شكلاً مع توفر أدوات إضافية حديثة مع الدخول في عصر الفضائيات.

إذ تمتلك الأحزاب الكُردية مجموعة من القنوات الحزبية أو الممولة من الأحزاب الرئيسية في الإقليم، مثلاً إعلام الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يمتلك قنوات: كردستان، وزاغروس، وأخرى محلية، إلا أن الملاحظ- وفق المحاضر- توجه الجماهير بشكل أكبر نحو قنوات أخرى ولو كانت ممولة من الأحزاب ذاتها مثل قناتي “روداو وكردستان24″، نتيجة قيامها بمتابعة الأحداث وتمكنها من الوصول لجمهور أعرض.

كذلك فإن التطور الذي دخل في الصورة وطريقة العرض وغيره من الجانب البصري بقي محافظاً في العموم على السياسات التحريرية ذاتها، فكانت في الشكل تشابه نظيراتها العربية، لكن من ناحية الرسائل فهي تقوم بالعكس تماماً، مع الإغراق في المحلية، والايحاء بتصورات غير دقيقة أو مضخمة عن الواقع.

 و”كان لدى هذه القنوات مكمن للخطأ تمثل بموضوع إدارة المادة الخبرية ومضمونها، فالشكل يشابه قنوات إعلامية مثل الجزيرة والعربية، لكن من ناحية الرسائل فهي تقوم بالعكس تماماً، وإذا ما تساءلنا كيف؟ سنلاحظ أننا عندما نقارنها بقناة مثل الجزيرة التي لا تقوم بتناول المشاكل الداخلية للدولة المنشأة لها، وتقوم من جهة أخرى بتغطية ونقل أي مشكلة حول العالم، وتتجنب هذا الأمر فيما يخص القضايا الداخلية، لأن هذا أمر يؤثر على تماسك المجتمع الداخلي، وتقوية ترابط الشعب، أما في حالة كردستان فإن التركيز بشكلٍ كامل هو على المشاكل الداخلية، لذا المواطن لدينا يشعر ويتصور وكأن كافة مشاكل العالم هي فقط في كردستان، كالخراب والسرقة، والخيانة، حتى الحوادث المرورية يتم تصويرها وكأنها موجودة لدينا فقط، وكل هذا يؤثر على الذوق العام، لذا هذا النوع من الإعلام بدل أن يقلد تجارب متقدمة، قام بالعكس، مما أدى لفقدان مواطني كوردستان ثقتهم وإيمانهم بتجربة كردستان، وأصبحت تجربة قاتمة بنظرهم، وهذا النوع من الإعلام ظهر منذ العام 2010 وهو مستمر حتى الآن”.

تميزت المرحلة اللاحقة للعام 2010، بالتحول لنوعٍ جديد من الإعلام وهو مرحلة ما بعد الإعلام الخبري وتمثل بإعلام “مواقع التواصل الاجتماعي”، وهنا وكما حال معظم المجتمعات حول العالم تحولت الجماهير لمتابعة منصات التواصل الاجتماعي بشكل كثيف، وفي هذا الفضاء تتواجد القنوات التقليدية، لكن هناك آخرون أيضاً ينقلون جزءاً من الصورة بمنظور أوسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

أكد زاويتي “فشل” إعلام مواقع التواصل الاجتماعي في تجاوز ما وصفه بـالشعبوية، التي تتجسد وفقاً له، بتغطية حالاتٍ فردية بصورة مكثفة، مثل ما حدث مع حالة جريمة تم فيها اغتصاب وقتل طفلة، فتم تغطيتها ولمدة زادت عن 10 أيام، مع تعدد الزيارات لموقع الجريمة وتكرار سرد التفاصيل ذاتها “مما يوثر على المجتمع بشكل كبير”، وكذلك حالة شخص يسمى بـ” حاكم كوران” المحامي الذي حاول أن يقوم بتكوين رأي عام حول مواضيع تمس المجتمع ككل، مثل التوافق بين الأحزاب الرئيسية في الإقليم، مهدداً بالإقدام على الانتحار ما لم يتحقق ذلك، فانشغل الإعلام عن إظهار الجانب الإيجابي في محاولته وكانت مقاربتهم للحدث عبر توجيه أسئلة له حول ما إذا كان سينتحر فعلاً إذا لم تتقارب الأحزاب الكردية!!، ما يعني المزيد من الإحباط والانقسام واليأس، مشيراً إلى أن الأمر ذاته يحدث في حالات الانتحار أو المشاكل العائلية، و”تؤدي هذه التغطية المبالغ فيها بجعل المجتمع متوتراً بشكلٍ كبير”.

بادر زاويتي بالتذكير أن كردستان هي كشريط مؤقت جغرافي ما بين تركيا والعراق وإيران وسوريا، وأنه إذا تم النظر إلى الخريطة، يلاحظ أنها (خريطة) معقدة جغرافياً، ضيقة وصغيرة. وهذا الشريط كان يعاني من الحروب طوال 100 سنة، والتمكن من إبقاء هذه البقعة المعقدة جغرافياً وسياسياً في حالة استقرار أثناء كل هذه الصراعات في الدول المجاورة، يعتبر إنجازاً كبيراً، ليضع الإعلام أمام واجبه ويتساءل “هل يا ترى استطاع الإعلام الكُردي أن يوصل هذا الواقع بهذه الصورة للجماهير؟ “.

مضيفاً “ترى احتدام الصراع حولك، في المنطقة كلها، فأين الإعلام الكُردي من تغطية هذه الأزمات خارج الواقع الكُردي؟”.

على عكس المأمول منه، كأن هذا الإعلام ومن حيث لا يدري خص نفسه بمهمة تكوين صورة جمعية في ذهنية المجتمع الكردستاني غارقة في السوداوية والقتامة، مع بعثه رسائل تعطي إيحاءات أو تشكل قناعات سلبية. ولفت المحاضر إلى أن التركيز المفرط على المشاكل الداخلية لإقليم كوردستان “يوصل رسالة سلبية للجمهور الكُردي. وهذا بالتالي ينعكس على تشكل الصورة الذهنية عند المواطن، وتدفعه ليؤمن بأن أكثر التجارب فساداً هي تجربة الإقليم، وان أكبر السارقين هم سياسيو الإقليم، وأن أكثر الناس خيانة هم من الأكراد وهكذا، هذا ما يكونه خطاب الإعلام الكردي في لا وعي الجماهير”.

لذلك أردف مشدداً على أن يكون الإعلام “أوعى من هذه الحالة، وأن ينظر إلى الدول خارج كوردستان وأضاعهم ومشاكلهم وينقلها للجمهور الكُردي”.

في سياق الاستشهاد على ما ذهب إليه، تطرق المحاضر إلى كيفية تناول ملف الهجرة والعالقين على حدود الاتحاد الأوروبي ومتابعة الإحصاءات ذات العلاقة. وجاء الاستشهاد بتحفيز الأسئلة التي غفل عنها الإعلام الكردي “هل وضع كوردستان أسوأ من وضع العراق؟ لماذا 70% ممن يهربون إلى حدود بيلاروسيا وبولندا هم من إقليم كوردستان؟ حتى أن نسبة السوريين من بينهم كانت أقل، فهل هذا يعني أن وضع سوريا أفضل من وضع إقليم كوردستان؟”.

مما سبق يستخلص زاويتي أن “الخطاب الإعلامي جعل واقع كوردستان سوداوياً لدرجة قضى على الشعور بالانتماء لدى الناس. قد يهرب أحدهم من الحرب، هذا طبيعي، ولكن هؤلاء الذين أذكرهم من الهاربين من كوردستان ليسوا في هذا الوضع الذي خرج بسببه مثلاً أهل “روجافا أو شنكال”، مثل حالة تاجر الذهب الذي ظهر على إحدى القنوات الأجنبية وكان بين المهاجرين في بيلاروسيا”.

إشكالات إضافية للإعلام الكردي وحلول مقترحة

عدّد المحاضر العديد من الإشكالات الإضافية للإعلام الكردي، واقترح وفقاً لها الحلول كما يلي:

• اقتصاره على اللغة الكُردية وعدم تمكنه من مخاطبة الجماهير من القوميات والدول الأخرى، ويركز على الحالة الكُردية فقط، وهذا ما ولد نقصاً في التواصل مع الجماهير العربية والتركية والعالمية.

وتجاوز هذه الحالة من أحادية لغة الإعلام ومحلية الخطاب وضرورة التوسع فيه، يكون “بالعمل على إنشاء إعلام كُردي ناطق بلغات أخرى، وهذه نقطة مهمة جداً، ويجب تبني معايير تصل بهذا الإعلام لمستوى قنوات عالمية، وإلا فلن تقوم الجماهير: العربية، أو التركية، والفارسية بمتابعتها”.

• حالة عدم تجاوز مرحلة التخمة الإعلامية والتي امتدت لما يقارب 30 عاماً، والخطاب الإعلامي فيها غير متجدد، ولا يقدم جديداً خارج حالة التكرار، وهذا يبرز “ضرورة لملمة الجهود وتنظيمها، فهذه المبالغ التي تصرف في الإعلام الكُردي أكثر مما يتم صرفه على أكبر القنوات العالمية، إلا أن الإعلام الكُردي يفتقد للخطط، ويتم بجهودٍ متشتتة”.
• غياب جهود الأعداد الكبيرة للصحفيين في إقليم كردستان، فهناك حوالي 8 آلاف صحفي في نقابة الإقليم، بالإضافة لصحفيين خارج النقابة، لذا يجب العمل على وصول الصحفيين الكُرد للقنوات الرائدة والعالمية المؤثرة، ليتمكنوا من تطوير أنفسهم في هذه القنوات.

كما برزت مقترحات أخرى في سياق الحديث عن تطوير الإعلام منها:

• العمل وفق المسؤولية المهنية الصحفية، والموازنة بين المهنية والمسؤولية المجتمعية، والأمن العام، واحترام مسألة الحواجز القانونية.
• لا نقصد أن مهمة الإعلام بناء السلام المجتمعي في دولة ما، ولكن مهمة ومسؤولية الإعلام حفظ الأمن والسلام في ذلك المجتمع من خلال المهنية.
• ·           التخطيط الفعال وتجاوز حالات عايشناها عند محاربة داعش، كالتوجه لمواقع البيشمركة ونقل البث المباشر من هناك.
• العمل على وصول الصحفيين الكُرد للقنوات الرائدة، والعالمية المؤثرة، ليتمكنوا من تطوير أنفسهم في هذه القنوات.

الوضع السياسي في العراق

تعد مشكلة تشكيل الحكومة العراقية إثر الانتخابات من المشاكل المكررة في المشهد العراقي، كثيراً ما كتبت: نحن ننجح في إجراء الانتخابات، ولكننا نسقط في تطبيق نتائجها على أرض الواقع، فالانتخابات إجراءات شكلية يقوم الناس بالتصويت والمشاركة فيها وتصدر النتائج، لكن بعد ذلك نتوقف عند التطبيق. لا أعتقد بأن الانتخابات ستتمكن من إيجاد حل لمشكلة العراق، في تصوري أن الوضع في العراق وصل إلى مرحلة متقدمة من الفوضى، حيث لا فائدة حقيقية من الانتخابات. لم يبق لدينا أمل في الانتخابات، والدليل أن 70% من العراقيين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع، فهذه كتلة بشرية هائلة من المجتمع، غير راضية عن العملية السياسية، وستكون هذه الكتلة متوترة دوماً وتبحث عن التغيير.

تميزت الانتخابات في هذه الدورة، وبضغط من أمريكا والأمم المتحدة، بأنها كانت نزيهة بشكل أكبر من سابقاتها التي شهدت تزويراً كبيراً فيها، إلا أنها لم تتمكن من إحلال الاستقرار في العملية السياسية، التي هي الآن في أصعب مراحل العملية السياسية في العراق بعد 2003، لأنه إذا قام التيار الصدري بتأسيس الحكومة، سيأتي الإطار التنسيقي لعرقلة الأمر، وإذا أسس الإطار التنسيقي الحكومة، سيأتي التيار الصدري لعرقة ذلك، وضمن هذا الواقع يكون لإيران الدور الأول في التحكم بالعملية السياسية، إلى جانب الدور الأمريكي أيضاً، خصوصاً في ظل محاولة أمريكا تشكيل محور إقليمي لتغيير الواقع السياسي داخل العراق، يتألف من عدة دول إقليمية: السعودية، والإمارات، وتركيا، في محاولة للوقوف في وجه تأثير المحور الإيراني، وسيكون لهذا الموضوع ارتباط بنقطة مهمة، وهي مستقبل المفاوضات النووية بين أمريكا وإيران، وأعتقد بأنهم في حال توصلهم لاتفاق معين ستقوم أمريكا بفرض بعض الشروط على إيران حتى لا تتدخل في العراق، أو تقلص من تدخلها.

ضمن هذا الواقع لعبت المحكمة الاتحادية دوراً متصاعداً، بالأخص في الفترة المؤخرة باتخاذها قرارات بشكل سريع في ملف السيد هوشيار زيباري ونفط كردستان، وكلها لصالح الإطار التنسيقي ضد طرف مقتدى الصدر وضد الديمقراطي الكُردستاني بالتحديد، ولا نستبعد أن تقوم المحكمة الاتحادية بإصدار قرارات أخرى حول المرشحين المستقبليين. برأيي الشخصي فإن قضية رئاسة الجمهورية ليست بتلك الأهمية التي تجعل الكُرد يصلون إلى مستويات متقدمة من التوتر الذي يتحول لصراع بين البارتي: الحزب الديمقراطي الكردستاني  واليكيتي: حزب الإتحاد الوطني الكردستاني، وتم ملاحظة تقديم كل من السيدين هوشيار زيباري وبرهم صالح، خطابات دعائية وتصريحات تحمل استعداداً للتنازل عن المطالب الكُردية، فقط من أجل الحصول على أصوات العرب السنة والشيعة، مثل تصريح برهم صالح حول تعديل الدستور، ووفق الواقع الحالي فإن تغيير دستور 2005 سيكون بشكل أساسي مضرّاً لإقليم كردستان.

يمكن لإقليم كوردستان أن ينجو من هذا الوضع -من ضغوط بغداد- وما تقوم به المحكمة الاتحادية، عبر الدعم الإقليمي والدولي، بالأخص واشنطن وتركيا، وربما تكون هناك خطوات أخرى، فقد يقوم الكاك مسعود البرزاني بإصدار قرار بتجميد العملية السياسية في بغداد والانسحاب منها، ولتفعل بغداد ما تشاء، ويتحول الواقع إلى صراع، ولكن حينها إذا كانوا لوحدهم سيكون السؤال الأهم: كيف سيتمكنون من الثبات في مواجهة بغداد؟ هذه مسألة مهمة، خاصة عندما لا يكون الكُرد موحدين.

المداخلات

ضرورة التركيز من قبل الباحثين والإعلاميين على إشكاليات مثل:

• ضمن الإعلام: معالجة موضوع التقليد في ألوان الهوية البصرية، دون المضمون.
• ضرورة معالجة مواضيع حساسة كالجرائم الجنائية وغيرها بشكلٍ مهني وبعيد عن التهييج المجتمعي.
• أهمية الوقوف على مخاطبة المجتمعات المجاورة بلغاتها، ونقل الواقع والقضايا الكُردية لهم، وأهمية نقل صورة حول الكُرد، لا ترتبط فقط بالسلاح والمعارك، وتتعامل مع ثقافتهم ولغتهم وفنهم.
• هناك أمور إيجابية في الإقليم، بناءً على وجود رغبة في التقدم بالعملية الإعلامية والسياسية، والخطاب الكُردي عموماً يحاول طرح فكرة المقارنة بالدول المتقدمة إعلامياً ومؤسساتياً.
• المؤسسات العراقية يتم استخدامها لهدم شخصيات كُردية محورية مثل حالة السيد هوشيار زيباري.
• المحكمة الاتحادية، تفضل ألا تبقى أحزاب لا في هولير/أربيل ولا في دهوك أو أي منطقة أخرى.
• موضوع برهم صالح ليس فقط نتيجة لإصرار الحزب الديمقراطي الكردستاني، وإنما في الوقت نفسه نتيجة أيضاً لإصرار التحالف وإصرار أمريكا، لأن أمريكا والتحالف يرون أنه طالما برهم صالح متواجد في كرسي الرئاسة فإن الساحة العراقية كلها مفتوحة أمام إيران. وبسبب هذه النقطة قد يقع الحزب الديمقراطي الكردستاني في بعض الأخطاء التكتيكية.
• بالنسبة للمسألة الكلية في الجيوبوليتيك ومسألة المقاربة الإيرانية، فإيران ترى بأنه إذا تمكن مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني من الوصول لرئاسة الدولة، فهذا لا يعني البارتي فقط وإنما يعني أيضاً أن أمريكا تمكنت من الحكم، وذلك يهدد أمن إيران القومي، وإيران ترى الموضوع من هذه الزاوية.
• عندما يكون رئيس الجمهورية من الكرد. ويكون وزير الأركان من الكرد ووزير المالية منهم. وعندما يكون حوالي 100 نائب كوردي في برلمان العراق، وهؤلاء لا يتمكنون من توصيل رسالتهم للناس ولا يستطيعون القيام بتحالفات، ولا توفير أسباب النجاح، فذلك كله يعود سببه إلى عملنا السياسي والصراعات الداخلية الكُردية.
• كُرد سوريا يتطرقون لمشاكل الإقليم أكثر من أهله، ونحاول طرح أنفسنا على أن لدينا معرفة بواقعكم أكثر منكم، وعندنا البعض كما هو معروف مع حزب العمال الكردستاني. وكان هناك قسم أكبر مع الديمقراطي الكردستاني، وآخر أقل مع يكيتي الكردستاني، وأحزابٍ أخرى. وعندما قامت الثورة السورية بشعاراتها التي كانت إيجابية حول وحدة الشعب السوري، وحريته، مثلت فرصة كبيرة أمام الكرد ليتمكنوا من أن يصلوا من خلالها للناس ويوصلوا رسالتهم للخارج، ولم يكن الكرد فاشلين في سوريا، ولكن هذه الأطراف الخارجية أصبحت سبباً في فشلهم عن طريق إقحام سياساتهم في الواقع الكُردي السوري.
• طريقة مقاربة كُرد سوريا للقضايا الكُردية: الواقع الموجود بين أكراد روجافا من ناحية الحماسة ليس موجوداً كما كان عند كرد إقليم كوردستان، ولكنهم لا يتمكنون من الاستفادة من هذا الواقع بالشكل المطلوب، على العكس من ذلك، يتم استغلال ذلك من قبل الصراعات الداخلية الكُردية، الكُرد في الإقليم مثلاً شبعوا وملوا من صراع اليكيتي والبارتي. لذلك دائماً هناك تساؤل حول دوافع انقسام أكراد سوريا ما بين البارتي واليكيتي وحزب العمال، وهو تساؤل إشكالي، لماذا وصل الأمر إلى هذا الحد؟ لا بأس في أن نقوم باعتبار شخصيات كردية رمزاً قومياً، لكن هذا لا يعني أن نكون مقتنعين تماماً ببرنامجهم السياسي. في تجربة مباشرة وعند إعداد فلم “دولة الجبل”، كان 60 إلى 70% من المقاتلين من أكراد روجافا، تجدهم في كل مكان، حسناً: ما الفائدة التي عاد به هذا الأمر لروجافا؟ أو مثال البارتي، كان البارتي في صراعاته وبرامجه يستفيد كثيراً من جمهوره الكُردي في روجافا ولكن بالمقابل ماذا استفاد أكراد روجافا؟

نعايش الآن حالة على مواقع التواصل الاجتماعي، فمثلاً كتبت حول فريق السيد هوشيار زيباري وانتقدته، والموضوع كان عن فريقه لا عن شخصه، فجاء أحد الأخوة من أكراد سوريا وكتب تعليقاً يمدح فيه هوشيار زيباري، السياسي الكذا وكذا. طبعاً أنا لم أتحدث أصلاً عن هوشيار زيباري، أنا أتكلم عن فريقه، الذين كانوا يوصلون معلومات خاطئة لقيادته حول حتمية انتصار زيباري وما شابه، وأوصلوا هذه الصورة لجمهور كوردستان. حتى موضوع المحكمة، وقع فريقه في الخطأ عندما نشروا علمهم بأن قرار المحكمة سيكون لصالح السيد هوشيار مسبقاً، وهو ما لم يحدث فدخلوا في حالة إحباط.

أسئلة المداخلات

• هل لدى تركيا وإيران وسوريا مثلاً تحفظ على تأسيس الإقليم لجهات إعلامية بلغات هذه الدول داخل إقليم كوردستان؟

الجواب:

لا أعتقد أبدا أن هناك تحفظ من إيران وتركيا على تأسيس قنوات بلغاتها في إقليم كوردستان، ولا توجد محاولات في هذا الصدد. ليس هناك مبادرة كوردية لأن تكون هناك جهة إعلامية كوردية قوية تخاطب الجمهور العربي أو التركي أو الفارسي، وهذه حاجة مهمة جداً بالنسبة لإقليم كوردستان، فمسألتنا متعلقة أساساً بهذه الشعوب.

•   قناة روداو، ولو كان تفوقها ليس كبيراً جداً، برأيكم ما أسباب نجاحها وانتشار صداها بين الشعب الكُردي؟ هل لأن لغة خطابها كانت الكُردية الكورمانجية أم ماذا؟

الجواب:

مقارنة بالقنوات الإعلامية الكُردية الأخرى روداو متفوقة جداً، هي ذات إمكانات أكبر من جميع القنوات الكُردية من الناحية المادية، ومن ناحية الإمكانيات البشرية، مع ذلك روداو ليست قادرة على صناعة خطاب إعلامي جديد، وتحرير نفسها من الطرق التقليدية، وبحكم قربي من روداو، فإنهم يقولون لنتمكن من الوصول إلى الجماهير علينا صناعة إعلام مثير.

• بعد 2004 و2005 كان هناك اتفاق في إقليم كوردستان، أن رئاسة العراق تكون ليكيتي ورئاسة الإقليم للبارتي. ترى لماذا انتهى هذا الاتفاق؟ مثل رغبة البارتي الآن بالحصول على رئاسة العراق وإقليم كوردستان، فما أسباب ذلك؟

الجواب

كان البارتي حريصاً جداً على وجود مام جلال في بغداد، كان هناك أهمية لوجود مام جلال في بغداد، وكان ناجحاً كرئيس دولة. ولكن بعد وفاته انتهت تلك الأهمية بالتدريج، فمثلاً لم يكن فؤاد حسين وبرهم صالح كذلك، والبارتي لم يقم بإعاقة وجودهم في رئاسة الدولة، ولكن كان المأمول على الأقل أن تتم استشارة البارتي، هنا تكمن المشكلة، عندما قال يكيتي للبارتي إنه سيكون برهم صالح سواء أردتم أم لا، قال البارتي عينوا مرشحاً آخر بالاستشارة، وألا يكون ضد البارتي. هناك أربع مقاعد للاتحاد الإسلامي الكوردستاني وشخصيات أخرى، كلهم قالوا سواء كان مرشح البارتي أو اليكيتي نحن لن ندعمهم بأصواتنا لأنهم رُشحوا بدون علمنا واستشارتنا في الأمر.

لا أدري لماذا قام البارتي برفض برهم صالح رفضاً مطلقاً، فالمشكلة موجودة عند الحزبين. بدل أن يقوموا بتسهيل الأمور هم يعقّدونها أكثر. هذا صراع حزبي وصل إلى درجة كسر العظام، أما إذا قلت إن هناك اتفاقاً على أن رئيس الدولة من اليكيتي ورئيس الإقليم من البارتي فالأمر لا يجري بهذا الشكل. لأن مقاعد البارتي في البرلمان هي ضعف عدد مقاعد اليكيتي، ولم يكن لدى البارتي مانع حتى من إعطائهم منصب رئاسة الإقليم أيضاً، ولكن على أن تتم الاستشارة فيما بينهم.

•   طرحتم واقعاً سياسياً في العراق بأنه إذا ما كانت “بغداد ضعيفة فهذا يؤدي لأن يكون إقليم كوردستان قوياً، وفي حال تقوت بغداد فهذا سيؤدي لضعف إقليم كوردستان، لماذا لا يكون الطرفان أقوياء؟

الجواب

لأن الطرفين يتعاملان مع بعضهما بدون ثقة، الثقة معدومة. الطرفان يتعاملان بسوء نية مع بعضهما. لذلك يرى الإقليم مثلاً أنه إذا قويت حكومة العراق فستفتك بالإقليم. وحتى الآن ليس لدى بغداد رضا وقناعة بتجربة إقليم كوردستان. لذلك إذا قويت بغداد ستضرب الإقليم.